التعريف الاجتماعي:
ينطلق الاجتماعيون من الانتقادات التي قدمت للتعريف القانوني والتي أبرزها: إنكار هذا التعريف للأبعاد الاجتماعية للجريمة، وهم يعتبرون الجريمة ! ظاهرة اجتماعية، وان التجريم ليس حكرا على المشرع (القانوني) بقدر ما هو مستمد من الواقع الاجتماعي بما يحويه من قيم ومعايير اجتماعية.[4]
وعلى هذا الأساس اختلفت مدارس علم الاجتماع وكذلك علماؤه في تعريف الجريمة، وقد أدى هذا الاختلاف إلى ظهور عدد من التعاريف ذات الاتجاه الاجتماعي، ومن أشهرها تعريف (سالن Sallin) حيث يقول: الجريمة ! هي انتهاك للمعايير الاجتماعية، وتأتي شهرة هذا التعريف من كونه جمع كثيرا من الاعتبارات الاجتماعية في عبارة قصيرة، فالعادات والتقاليد والأعراف والقانون كلها معايير اجتماعية, ومن أهم الانتقادات الموجهة إلى هذا التعريف ان المعايير الاجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر، ولعل ذلك هو ما دفع العالم (Rafaele Garofalo) إلى تصنيف الجرائم إلى جرائم طبيعية وجرائم مصطنعة، الأمر الذي أظهر تعريف (Sallin) وكأنه تعريف يخص مجتمعا واحدا، فقد قسم جاروفالو الجريمة إلى نوعين: جريمة طبيعية، وجريمة مصطنعة.
فالجريمة الطبيعية هي ذلك الفعل الذي لا يختلف شعور الناس تجاهه بأنه جريمة مهما اختلفت المجتمعات والأزمنة، كالاعتداء المادي أو المعنوي على الأفراد، والاعتداء على الأموال والممتلكات، أما الجريمة المصطنعة فهي الأفعال المنتهكة لمكونات ثقافية مصطنعة، أو ما يسمى بالعواطف غير الثابتة كالديانات والعادات والتقاليد, ولعل نظرية "جاروفالو" هذه من أكثر النظريات انسجاما مع الواقع الثقافي المعاصر، ذلك أنه لا يمكن بحكم هذا الواقع، أن يتم الحصول على تعريف اجتماعي واحد يكون مقبولا تماما في كل المجتمعات، أو على الأقل عند كل علماء الاجتماع، وعلى هذا الأساس فإن النقد الموجه لهذه النظرية من زاوية عدم تشابه عاطفتي الشفقة والأمانة لدى كل المجتمعات، وهو نقد جاء به العالم (Durkheim) نقد ضعيف لأنه لم يأخذ في الاعتبار أن الشعوب والثقافات قد لا تتفق على تعريف آخر أكثر من اتفاقها على هذا التعريف في هذا العصر بالذات ثم انه يؤخذ على هذا النقد أن العواطف تتشابه لدى كل المجتمعات لكنها لا تتطابق
تماما، والأخذ بمسألة واحدة تتشابه عواطف كل الشعوب تجاهها، خير من تركها حتى يتحقق التطابق العاطفي التام.[5]
والجريمة هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة وما هو عدل في نظرها. أو هي انتهاك العرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه، أو هي انتهاك وخرق للقواعد والمعايير الأخلاقية للجماعة،وهذا التعريف تبناه الأخصائيون الانثروبولوجيون في تعريفهم للجريمة في المجتمعات البدائية التي لا يوجد بها قانون مكتوب.
وعلى هذه فإن عناصر أو أركان الجريمة من هذا المنظور هي:
• قيمة تقدرها و تؤمن بها جماعة من الناس.
• صراع ثقافي يوجد في فئة أخرى من تلك الجماعة لدرجة أن أفرادها لا يقدرون هذه القيمة و لا يحترمونها و بالتالي يصبحون مصدر قلق و خطر على الجماعة الأولى.
• موقف عدواني نحو الضغط مطبقاً من جانب هؤلاء الذين يقدرون تلك القيمة ويحترمونها تجاه هؤلاء الذين يتغاضون عنها و لا يقدرونها.[6]